الإسلام والإيمان

الإسلام والإيمان

لا يخفى على قارئ التنزيل الحكيم أن الإسلام لم يبدأ مع محمد صلى الله عليه وسلم، بل اكتمل برسالته، وقد اعتاد أحدنا على قبول جواب السادة الفقهاء والشيوخ أن نوح وإبراهيم ولوط ويعقوب ويوسف وفرعون وسحرة فرعون والحواريين والجن كلهم كانوا مسلمين لعلمهم بإرسال الله تعالى نبياً يدعو للإسلام بعدهم بآلاف السنين، فإذا كان الله تعالى قد أعلم أنبياءه ورسله بهذا، فهل سيعلم فرعون أيضاً؟ {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (يونس 90)، وكيف سيصح إسلام فرعون وهو لم يلتق إلا بموسى ولم يصم رمضان ولم يحج البيت؟ كذلك فالحواريون لم يعرفوا سوى عيسى بن مريم فكيف أسلموا وهم لا يقيمون الصلاة {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (آل عمران 52)؟

يجد المرتل لآيات الكتاب أن الإسلام أمر مختلف تماماً عن الإيمان وسابق له، وإن كانت كتب الأصول قد وضعت أركاناً للإسلام وأخرى للإيمان، إلا أنها بادلت بينهما، فالإيمان برسالة محمد، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، هي شعائر كلف بها المؤمنون بالرسالة المحمدية فقط، وليس المسلمون، والدين عند الله الإسلام {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ} (آل عمران 19) والله تعالى لن يقبل ديناً غيره {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ} (آل عمران 85) فما هو الإسلام إذاً؟

نقرأ قوله تعالى {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (فصلت 33) وقوله {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (البقرة 62) والكثير من الآيات الأخرى فنفهم أن الإسلام هو التسليم بوجود الله واليوم الآخر، فإذا اقترن هذا التسليم بالعمل الصالح، كان صاحبه مسلماً، سواء كان من أتباع محمد (الذين آمنوا) أو أي من الملل الأخرى أو من صبأ عنهم من مجوس أو بوذيين أو غيرهم، فهو دين إنساني لكل أهل الأرض، وهو دين الفطرة والحنيفية {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (الروم 30)، وفطرة الله التي فطر الناس عليها هي بر الوالدين والإحسان لليتيم وعدم قتل النفس وعدم الغش وعدم قول الزور، وقيمٌ أخرى تراكمت تدريجياً مع تطور الإنسانية حضارياً إلى أن وصلت إلى الوصايا العشر التي يشترك فيها كل أهل الأرض، وسميت في رسالة محمد “الصراط المستقيم” {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ* وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ* وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(الأنعام 151- 152 – 153}.

و الرسالة المحمدية امتازت بثلاث خصائص، هي الرحمة {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (الأنبياء 107) والخاتمية {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} (المائدة 3) والعالمية {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} (الأعراف 158)، لكن الثقافة الإسلامية الموروثة مسخت هذه الخصائص الثلاث، وتحول الإسلام بين يديها من دين الرحمة إلى دين العنف، وبدلاً من تيسير أمور الناس شددت عليهم وكتمت على أنفاسهم بحجة الحرام والحلال، علماً أن الحرام مطلق وشمولي أبدي، بيد الله وحده، أغلقه من خلال الرسالة المحمدية، وحصره في أربعة عشر محرماً، لا يمكن لأحد الإضافة عليها أو الإنقاص منها، وإلا لاحتاج إلى رسول يملك بينات من الله، لا من الموقعين عنه، كذلك فقد حولوا الرسالة العالمية إلى رسالة محلية تنطبق على سكان شبه الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي، وبدلاً من الاعتماد على كتاب الله باعتباره نصاً مقدساً صالحاً لكل زمان ومكان، جرى الاعتماد على كتب البخاري ومسلم وغيرهم، وما لفق من أحاديث بعد وفاة الرسول بقرنين، ما صح منها عنه ينطبق عليه “تتغير الأحكام بتغير الأزمان”، عدا ما يخص أداء الشعائر، وتم الاحتفاظ بالمصحف في المكتبات وقراءته في مجالس العزاء، كنص مقدس باللمس لا أكثر.

وتتجلى عالمية الإسلام بأن أحكامه تتوافق مع كل أهل الأرض، من طوكيو إلى سان فرنسيسكو، وحدوديته تتماشى مع كل القوانين والشرائع، والعمل الصالح باعتباره ركناً أساسياً من أركان الإسلام مفتوحاً ومتاحاً لجميع الناس، ولا يقتصر على أمة دون أخرى، أعطانا الله خطوطه العريضة، ووضعه ميزاناً يوم القيامة {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (البقرة 112)، ومقياس الجزاء في الآخرة هو التقوى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات 13).

أما أركان الإيمان في الرسالة المحمدية فهي ما سميت خطأً “أركان الإسلام”، ونحن نلتزم بها بإرادتنا، ويكافؤنا الله عليها أجراً مضاعفاً، وهي ما يربطنا بالرسول (ص) حيث نقيم الصلاة كما أقامها ونؤدي الزكاة كما أداها ونحج البيت ونصوم رمضان، وبهذه الطريقة نفهم قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (الحديد 28) فنحن نتقي الله بعملنا الصالح بصفتنا مسلمين فنستحق كفلاً من رحمته، ونؤمن برسوله فنؤدي الشعائر على طريقته لنستحق كفلاً آخر من الرحمة.

فإذا نظرنا في العالم حولنا، وتأملنا في قوله تعالى {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ* فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ* وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} (الماعون 1-2-3) وفي كثير من الآيات الأخرى عرفنا أن أساس الإسلام هو عمل الخير، وأن من يعمل صالحاً سيفوز بالجنة مهما كانت ملته ومعتقده، ولرأينا أن هؤلاء الناس الذين يستقبلون اللاجئين في بلاد الاغتراب هم الذين يصدقون بالدين، وهم مسلمون متقون حتى لو لم يعلموا ذلك، وشعرنا نحوهم بالامتنان والتقدير، وقلنا “صدق الله العظيم”.

الرابط على موقع أبواب

(1) تعليقات
  1. السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
    أخي إذا تمعنت في الآية. ان الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين الخ.
    تجد أن كلا من الفرق مطلوبين أن يؤمنوا بالله. والإيمان بالله أتباع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. فهل أمن اليهود والنصارى؟ إذا كانوا اصلا مسلمين كما زعمت .وهم كذلك ليسوا مسلمين لأنهم لم يتبعوا ما جاء به موسى وعيسى على السلام. وقد قال الله تعالى :قل يا أيها الناس اني رسول الله إليكم جميعا. فهل يا ترى اعترف اليهود والنصارى برسالة محمد ؟ فلو اعترفوا به رسولا لاتبعوه. يجب على صاحب الكتاب أن يتمعن جيدا في القرآن الكريم.

اترك تعليقاً