الإصلاح الديني أولاً ثم السياسي والاقتصادي – العقل العربي عقل قياسي والعقل القياسي لا ينتج – جريدة النور

الإصلاح الديني أولاً ثم السياسي والاقتصادي – العقل العربي عقل قياسي والعقل القياسي لا ينتج – جريدة النور

في الوقت الذي يرى فيه هرم فكري من طراز جلال العظم في شحرور (رغم اختلاف المسار الفكري بين العملاقين) ظاهرة صحية وضرورية ينبغي أن تستمر يرى صرح ثقافي وأدبي من عيار ممدوح عدوان أنه يجب علينا انطلاقاً من شحرور التأسيس لفكر ديني مستقبلي على أن تبقى علاقتنا بالتراث تاريخية لا معرفية.

انطلاقاً من هذين الرأيين تشجعت على قراءة شحرور ومن ثم مقابلته.

بعد قراءتي لكتب شحرور وجدت أنه من الضروري الاطلاع على بعض الكتب التي تنتقد ما جاء به، غير أنني مع الأسف أصبت بخيبة أمل من المستوى الذي وصلت إليه لغة النقد خاصة ممن اختصاصهم علم الأديان المقارن؟؟

تجدر الإشارة إلى أني استقيت معظم المآخذ التي أخذت على كتاب شحرور وحاورته بها من كتاب (القراءة المعاصرة للقرآن في الميزان) للباحث أحمد عمران.

كانت النية قبل إجراء الحوار الوقوف عند رأي بعض علماء الشريعة وأساتذتها لمعرفة رأيهم في ظاهرة شحرور ثم سرعان ما أقلعت عن الفكرة لأسباب عدة منها اطلاعي حوار الأخير مع من حاورهم من فقهاء وعلماء أزهريين من مصر من خلال أشرطة فيديو استعرتها منه.

فكانت النتيجة اعتمادي على قراءتي لأعمال شحرور وعلى الأفكار والأسئلة التي يطرحها مفكرون كمحمد أركون وحسن حنفي وغيرهما وكان هذا الحوار الذي لم أستغرب بعد إجرائه إرسال شابات وشبان من مثقفي الأردن كتاباً إلى الدكتور شحرور يطلبون منه السماح لهم بإيجاد موقع باسمه على الإنترنت ينشرون من خلاله أعماله.

طالبت في بعض مؤلفاتك بضرورة تجاوز فهم التراثيين للنص والقرآن غير أننا نجدك كنت أسير فهم التراثيين ولا سيما على صعيد اللسان العربي، إذ كنت منساقاً وراء ابن فارس وثعلب والجرجاني، ومن الطبيعي أن يكون هؤلاء قد استنبطوا بعض نظرياتهم اللغوية من خلال علاقتهم بالقرآن على ضوء الأرضية المعرفية للعصر الذي وجدوا فيه. بمعنى آخر كنت أسير التراث من حيث لا تدري. كيف تفسر لي هذه لمفارقة في منهجك؟

هذه ليست مفارقة نحن نظن أن الإنسانية تقدمت فقط في علوم الفيزياء والرياضيات والكيمياء والطب…الخ، في حين بقي علم اللغات يرواح مكانه وهذا غير صحيح ومن ثم أنا أنا اعتمدت على اللسانيات الحديثة والمدارس الحديثة كميشيل فوكو ودوسوسور كما اعتمدت على من ذكرتهم من التراثيين إضافة إلى اعتمادي على منهج د. نصر حامد أبو زيد.

ومن ذكرتهم في سؤالك لم يكن لأي منهم تفسير وأعتقد أنهم لم يكونوا يتجرؤون. واللغوي الوحيد الذي كان لغوياً ومفسراً هو الزمخشري، لكن هذا لا يمنع أن تكون نظرياتهم اللغوية قد تأثرت بالقرآن وقد غلبت النظرة الشعرية البيانية في تفسيراتهم على النظرة الدقيقة العلمية والموضوعية.

التراث الذي أصبح موروثاً أراد شحرور الانقطاع عنه من خلال قراءته المعاصرة لكن إذا نظرنا إلى التاريخ الحديث نلحظ أن ذلك التراث الموروث بعجره وبجره كان ينطوي على مخزون نفسي هائل إذ أدى إلى ثورة على أعتى طغاة الشرق (الشاه في إيران) ناهيك عن فعله المتمثل في تحرير الجنوب اللبناني وأثره الواضح في فلسطين، د. شحرور إذا أردنا تجاوز هذا الموروث القابع في البنية النفسية للعصر ما هو البديل الذي بمقدوره تحريك الشارع؟

أولاً أنا عندما أدعو إلى قطيعة مع التراث فأنا أدعو إلى قطيعة معرفية لا تاريخية فهذا هو تراثنا ولا يمكن أن نصنع غيره وهو مفروض علينا أصلاً لكن أنا عندي إشكالية في القرن العشرين وحلها يوجب علي قراءة النص بأعين القرن العشرين لا بأعين القرن السابع الميلادي، بمعنى أني وجدت الفقه الإسلامي رأسه إلى تحت ورجلاه إلى فوق أي أن الفقه الإسلامي يقوم على قياس الشاهد على الغائب فقمت بعملية عكسية إذ قست الغائب على الشاهد.

من هنا أنا لا أدعو إلى قطيعة تاريخية مع التراث بل قطيعة معرفية ناهيك عن أني لا أقبل أن يكون عبد الله بن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن أكثر فهماً من ألف وثلاثمائة مليون مسلم على قيد الحياة الآن على قيد الحياة الآن!! مكرراً لا أقبل وهذه الأمة التي تقتنع بهذا هي أمة لا تستحق أن يكون لها مكانة تحت الشمس ولا تستحق أكثر مما نالته!

أما بالنسبة إلى البدائل فقد طرح سابقاً بديل غربي ليبيرالي وكذلك طرح البديل الماركسي وكما ترى كلها جاءت من خارج الثقافة العربية الإسلامية.

لا شك أن ثقافة هذا الشعب ثقافة عربية إسلامية لذا نحن بحاجة إلى إصلاح ثقافي، وكون ثقافتنا السائدة دينية إسلامية فنحن بحاجة لإصلاح ديني ولنبدأ بالأساسيات أي بالأصول ثم بالفروع ثم بعد هذا نتحدث عن الإصلاح السياسي والاقتصادي وغيرهما من إصلاحات.

ينتقد البعض الطريقة التقليدية لتعليم الدين لأنها لم تعد مناسبة للعصر لأنها تمزق المجتمع وتجعل وعيه مستلباً كما حصل في الجزائر ولبنان حيث التعليم التقليدي للدين رسخ الطائفية في الشباب…. د. شحرور كيف يمكن للدولة العربية الراهنة أن تؤسس لتعليم حديث لتاريخ الأديان دون الاصطدام بالتقليديين ودون حدوث ثورات؟

ببساطة بإدخال علم الأديان المقارن وأعتقد أن أساتذة كلية الشريعة عندنا في الوطن العربي لم يقرؤوا التوراة، ولأعطيك مثالاً إذا نظرنا إلى الفقه الإسلامي الموروث نرى انه توأم الفقه اليهودي وهذا الشيء لا تلاحظه إلا إذا درست علة الأديان المقارن.

مثلا أين نجد التشابه؟

خذ مثلاً قصة الإسراء والمعراج التي وردت في أدبياتنا التراثية لا في القرآن هي نسخة طبق الأصل عن نص يهودي لكن عوضاً عن سيدنا محمد (ص) هناك إسحاق.

مأزقنا الحالي يكمن في خلطنا العلم بميثولوجيا بمعنى أن عبد الله بن عباس أروع من كتب الميثولوجيا في التاريخ العربي الإسلامي، وهذه الميثولوجيا التي كتبها عددناها نحن تفسيراً للقرآن واعتمدناها على هذا الأساس، إذ أصبحت حقائق موضوعية بينما هي ميثولوجيا لا شك هي ميثولوجيا جميلة جداً لكن عندما عددناها واعتمدناها ترجماناً للقرآن أوقعنا أنفسنا في الأزمة.

ثم يجب أن ندرك أن التاريخ الإسلامي في القرن الأول منه هو تاريخ سياسي ولا يوجد له أية هالة قداسة وهذه الهالة من القدسية جاءت من القرن الثاني وما بعده، لذا فنحن ننظر الآن إلى العصر النبوي بمنظار ميثولوجي قدسي، بينما هم أي في العصر النبوي لم يكونوا ينظروا إلى بعضهم كذلك بدليل أن ابن عباس وابن عمر كانا يتهم أحدهما الآخر.

معضلة رجال الدين الآن أنهم يحاولون قمعك بالشخصيات التراثية التي يعطونها هالة من القدسية، وأكبر مثال على هذا هو عمرو خالد (الداعية الإسلامي) إذ دائماً يردد على التلفاز: الأمة المهزومة الأمة المهزومة، وكل ما يفعله الآن هو تحويل الصحابة إلى ميثولوجيا وأسطورة، وقد لاقى استحساناً كبيراً لأن الأمة المهزومة تحتاج إلى ميثولوجيا وخرافات.

ربما هذا يقودنا إلى التساؤل عن كيفية إمكاننا هدم الجدران الميثولوجيا العازلة بين الأديان الثلاثة وكذلك بين المذاهب المتعددة ضمن الدين الواحد ولا سيما أن المؤمنين في كل دين أو مذهب يعتقدون أنهم وحدهم أصحاب الدين الحق وما عداهم في ضلال.

هذه المسائل لا يمكن حلها إلا إذا أعدنا النظر في الأصول وهذه الأصول وضعت ومنها جاءت هذه الفرق مثلاً عندك حديث يقول: (ستنقسم أمتي إلى بضع وسبعين فرقة كلها في النار ما عدا واحدة) طبعاً إذا اقتنعنا بهذا الحديث فهذا يعني أننا نكرس الطائفية والخلاف وفي الوقت نفسه نبتعد عن بأنفسنا عن العالم والإنسانية على حد سواء إذ يستحيا أن يكون موقفنا إنسانياً عندما نقتنع أو نؤمن أن فرقة واحدة في الجنة وما تبقى في النار.

في ظل سيطرة سلطة ثقافية تراثية ما زالت ترى أن أهل الكتاب هم الضالون والمغضوب عليهم وقد تمثلت وجهة النظر هذه مؤخراً في قطر على يد عالم كـ (يوسف القرضاوي)، على حد علمي أن القراءة المعاصرة لشحرور تملك وجهة نظر أخرى…ما هي؟

أولاً بالنسبة للقرضاوي هو أحسن من يمثل المدرسة السلفية، وإذا تناظر أسامة بن لادن وشيخ الأزهر أو القرضاوي فإن ابن لادن هو من ينتصر إذ جميعهم ينتمون إلى المدرسة نفسها. لأنه لا توجد مدرستان بل مدرسة واحدة هي المدرسة التراثية والفرق بينهما هو أن واحدا ظل منسجماً مع نفسه باستعمال أدوات الفقه التراثية والآخر كان انتقائياً وإلى الآن لم تحدث هذه المناظرة بين واحد من أنصار مدرسة ابن لادن وبين شخص مثل القرضاوي أو البوطي.

ثانياً إذا سلمنا أن المغضوب عليهم هم اليهود، والضالين هم النصارى، يحق لي أن أتساءل ماذا عن البوذيين والكونفوشسيين والهندوس…الخ؟ لماذا نتخذ أولئك دون هؤلاء هل إلهنا هو إله الشرق الأوسط فقط؟! هذا إن دل على شيء فإنه يدل على أن معلومات المفسر التراثي الإسلامي بالديموغرافيا ضعيفة.

قال تعالى: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} الصراط المستقيم هو الوصايا العشر التي جاءت إلى موسى عليه السلام، والوصايا العشر جاءت إلى عيسى عليه السلام، وهو أي الصراط المستقيم الفرقان عند المسلمين وهو ثلاث آيات من سورة الأنعام هي (151 ، 152 ، 153) حيث تتضمن عشر وصايا. هناك بنود في الصراط المستقيم من خرج عنها فهو من المغضوب عليهم وهناك بنود أخرى من خرج عنها فهو من الضالين، مثلاً قتل النفس قال تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ}[النساء : 93]

معنى هذا أن قاتل النفس من المغضوب عليهم سواء كان من أتباع محمد أم أتباع عيسى أم أتباع موسى وسواء كان بوذيا أم هندوسيا…الخ؟ وكذلك الشرك بالله فالمشرك بالله هو ضال من أي ملة كانت.

(مستدركاً) وخدعونا عندما قالوا بني الإسلام على خمس، وهذه الخمس هي: شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً. هذه ليست أركان الإسلام بل أركان الإيمان والشهادة الأولى فقط (أي شهادة ألا إله إلا الله) هي أول أركان الإسلام.

على أي أساس استنتجت أن هذه أركان الإيمان وليس الإسلام؟

لأن الإسلام هو دين فطرة وتلك الأركان تتنافى الفطرة الإنسانية فالله فطر الناس على الأكل لا على الصوم، وفطر الناس على القبض لا على الدفع فأنت تقبض معاشك بالفطرة وتدفع الضريبة بالتكليف، كل شيء تحتاجه عندما تمارس فطرتك فهو من الإسلام، قبض الراتب هو فطرة لأنك لا تحتاج أثناء قبضه إلى قوله تعالى: {وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ} [الأعراف : 85] [هود : 85] [الشعراء : 183]. وكذلك عدم أكل مال اليتيم، وعدم الشهادة بالزور، والامتناع عن أداء اليمين الكاذبة…الخ هذه الأخلاق موجودة عند كل أهل الأرض، وبالتالي ليست كل مكرمة وكل مبدأ أخلاقي وقفاً على أتباع الرسالة المحمدية، لكن كل شيء يحوي مكارم الأخلاق ويأخذ الطابع الإنساني الشمولي فهو من الإسلام.

سأضرب لك بعض من الأمثلة: ألا يبر البوذي والديه؟ الجواب: نعم، هل يقتل البوذي النفس التي حرم الله؟ طبعاً لا يقتل النفس، وهل الكذب عنده فضيلة أو شهادة الزور أو أكل أموال اليتامى…الخ؟ بالطبع ليست فضيلة، من هنا هذه المواصفات أو الصفات كلها من أركان الإسلام، أما كل ما هو وقف على إتباع الرسالة المحمدية فهو من أركان الإيمان.

ثمة فكرة شائعة في الغرب مفادها أن المسلم لا يمكن أن يكون إلا مضاداً للعلمانية، ذلك لأن الإسلام والعلمانية شيئان لا يتفقان ولا يجتمعان، وهذه الفكرة الدوغماءية راسخة لدى المستشرقين وعلماء الإسلاميات، كما يقول أركون.

د. شحرور سبق أن حاضرت في الغرب، برأيك لماذا ولدت هذه النظرة عن الإسلام دون غيره من الأديان؟

لان التاريخ الإسلامي ولا سيما القرن الأول منه، أي مرحلة تأسيس الدولة، هو تاريخ سياسي، والإسلام الذي سيطر على الفقه هو إسلام سياسي، لذلك يعتقد العلمانيون أن الإسلام معاد للعلمانية. إذا أخذت منهجي الذي أطرحه أنا، ترى أن كل الإجراءات التي قام بها النبي (ص) من عسكرية وتنظيمية وقضائية وسياسية، وكل ما يتعلق بتنظيم المجتمع، هذه كلها ليست شرعاً إسلامياً ولا يقاس عليها، هي فقط إجراءات لبناء الدولة وبالتالي هو قام بها من باب النبوة وليس من باب الرسالة، ونحن ملزمون بطاعة محمد الرسول لا طاعة محمد النبي، فقد قال تعالى: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ}[آل عمران : 132].

في وقتنا الراهن ما هي المراحل الفكرية والثقافية والفكرية والتاريخية، التي يجب على العقل الإسلامي قطعها حتى يكتسب الوسائل الملائمة للمساهمة في حل القضايا العالمية التي يطرحها الواقع الراهن ولا سيما على العقل السياسي؟

في الفقه الإسلامي الموروث تجد الشيء وضده، فمثلاً عندما حصلت حرب الخليج الثانية، جمعت السعودية فقهاءها، وكذلك جمع العراق فقهاءه، فقهاء الطرف الأول برروا نزول القوات الأمريكية في السعودية، وفقهاء الطرف الثاني برروا حرب صدام حسين مع خصومه، وكما ترى كلهم فقهاء وعلماء ولكل حجته ومرجعيته، أما لماذا نجد الشيء وضده أو لماذا ذنك الطرفان وجدا الحجج التي تؤيد رأي كل منهما، لأنهما اعتمدا وتبينا مبدأ قياس الشاهد على الغائب، وفي حال كهذه يكون ثوب الفقه الإسلامي فضفاضاً، بمعنى تستطيع أن تبرر ما تريد.

أما بالنسبة للمراحل التي يجب على العقل الإسلامي اجتيازها حتى يكتسب الوسائل الملائمة في حل القضايا العالمية التي يطرحها الواقع باستمرار، فأول ما يجب على العقل الإسلامي فعله هو التفريق والفصل بين النبوة والرسالة، بمعنى أن كل الإجراءات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والقضائية والعسكرية من حرب وصلح، قام بها محمد بن عبد الله بنفسه فهي ليست شرعاً إسلامياً ولا يقاس عليها لأنه قام بها من باب النبوة، لا من باب الرسالة، فمحمد (ص) كان مجتهداً في مقام النبوة معصوماً في مقام الرسالة، ولو كان معصوماً في مقام النبوة لما كان الله تعالى قال: {لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ}[التوبة : 117].

أستطيع أن أسألك لماذا قال الله تعالى: أنه تاب على النبي ولم يقل على الرسول؟

ما أريد قوله إن ما قام به النبي في مقام النبوة، ما زلنا نعده شرعاً إسلامياً أبدياً ونقيس عليه وهذا غير صحيح، وإن لم تحل مشكلة الفصل بين السنة النبوية والسنة الرسولية فلن نصل إلى نتيجة.

برأيك كيف تحل هذه الإشكالية؟ وما الفرق بين السنة النبوية والسنة الرسولية؟

أولاً: تقسم السنة إلى قسمين، نبوية ورسولية، النبوية هي كل ما ذكرته في الجواب السابق، وكما قلت السنة النبوية غير ملزمة لأحد حتى ولو صحت، ومخطئ من يعتقد أن مشكلتنا في السنة النبوية إن كان قد قال أم لم يقل، لا، قد قال وقد فعل…

أما السنة الرسولية فهي ملزمة لي، وهي العمل الذي قام به محمد بن عبد الله أول مرة، لم يسبقه إليه أحد، كصلاة العصر، مثلاً، إذ هو أول من صلى العصر، هذه نأخذها منه، أما أن تقول لي إنه كان يأكل بيده اليمنى، أقول لك خيراً إن شاء الله، وغيره أكل بيده اليمنى من قبله ومن بعده، هذا الكلام الذي ذكرته لك قلته أمام فقهاء وعلماء في النبطية بلبنان.

وبالتالي أصبح القياس على أعمال الصحابة إذ أن أعمال الصحابة عدوها شرعاً إسلامياً، مثلاً، إذا أوصى رئيس الجمهورية لخلف له، فيقيسون على أن أبا بكر وصى لعمر ويعدون ذلك شرعاً إسلامياً ويباركونه، وإليك هذه الحادثة: المطعم بن عدي أجار الرسول بعد رجوعه من الطائف، وكان أبو طالب متوفي، فطلب الرسول إجارته فأجاره وهو مشرك ومات مشركاً، هذه الحادثة قيس عليها تحليل دخول الأمريكان إلى السعودية.

هل تعتقد أن بمقدور العرب والمسلمين أن يجربوا أنفسهم مستكشفين طريقهم الخاص نحو العلمنة والحرية وحقوق الإنسان بمعزل عن الاستعانة بالفكر الغربي وحداثته؟ بمعنى هل نستطيع أن نصل لما نصبوا إليه من خلال صراع جدلي مع تراثنا الديني؟

الجواب: نعم وكلا.

بالنسبة لـ (كلا): الذي أسس للديانة المسيحية هو بولس الرسول الذي عن طريقه تم فصل المسيحية عن اليهودية، وكان الفصل برفضه شريعة موسى المتمثلة بالعهد القديم.

تتألف شريعة موسى في العهد القديم من 613 بنداً تشريعياً، بولس الرسول ألغاها ورآها غير ملزمة ولم يبق إلا الوصايا العشر، هذا يعني أن الأوروبيين لم يكن عندهم مشكلة تشريعية وكذلك لم يكن عندهم فقه، وهذا ما سهل عليهم بناء البرلمانات.

نحن ما زالت عندنا مشكلة الفقه والفقهاء لذا أعتقد أن مشكلة البرلمان عندنا لن تحل بالسهولة التي حلت بها في الغرب.

أما بالنسبة لـ (نعم): فأول عملية إصلاحية أجراها الأوربيون هي عملية الإصلاح الديني.

تقصد حركة الإصلاح الديني التي جرت على يد توما الإكويني؟

توما الإكويني ومارتن لوثر، تصور مع أنه ليس لدى الأوروبيين فقه وشريعة ومع ذلك أول إصلاح أجروه هو الإصلاح الديني وقد سبق الإصلاح السياسي!

ربما هذا ما هيأ للثورة الفرنسية؟

بالضرورة، من ثم عند الأوروبيين، كانت السلطة الدينية هي من تعين السلطة السياسية، بمعنى كان البابا هو من يعين الملوك أما نحن فعلى العكس من ذلك، فالسلطة السياسية هي التي تعين السلطة الدينية منذ عهد المتوكل حتى اللحظة، وظهر إلى الحياة مفهوم أهل السنة والجماعة منذ ذلك الوقت، مثلاً عندك شيخ الأزهر يأتي بمرسوم من رئيس الجمهورية، وكذلك مفتي الجمهورية، فكما ترى عندنا دائماً رجال الدين في خدمة السلطة، بينما في المسيحية الأوروبية كان رجال السياسة في خدمة رجال الدين، مما اضطرهم إلى فصل الدين عن السياسة، ونحن بحاجة إلى مثل هذا الفصل وإذا لم يتم فسنبقى نراوح في مكاننا.

إضافة إلى ما سبق، لأن السلطة السياسية عندنا هي التي تعين السلطة الدينية كان من ثمار ذلك أن ظهرت الحركات الإسلامية السياسية المتطرفة التي تبغي جمع السلطتين السياسية والدينية معاً وأكبر دليل على هذا في وقتنا الراهن الحركات الإسلامية في مصر فهي ضد الأزهر والسلطة في الوقت نفسه.

من المسلم به أن التعاقد والتفاعل بين دولة القانون والمجتمع المدني يأتي من خلال خبرة تاريخية وهذه الخبرة حتى الآن لم تنتشر إلا في المجتمعات الأوربية والأمريكية، فالعقل الإسلامي لم يختبرها في أية مرحلة من مراحل تاريخه، الآن يجري الحديث عن مجتمع مدني ودولة قانون، كيف يمكننا الوصول إلى هذا في ظل سيطرة سلطة تراثية رحمها التاريخي خاو من أية دولة قانون أو مجتمع مدني؟

(جازما) ولا يمكن…فالدولة العربية ما زالت حتى الآن دولة فقهية عشائرية قبلية، غير ذلك لا يوجد حزب ناصري ولا حزب شيوعي (المقصود الأحزاب الشيوعية العربية).

وبالنسبة لي، ولا أدري ما إذا كان كلامي هذا يسبب حرجاً للجهة الناشرة، عقلية الأمين العام للحزب الشيوعي (المقصود الأحزاب الشيوعية العربية عموماً) وعقلية شيخ الأزهر، عقلية واحدة.

كيف؟

شيخ الأزهر يحمل عقلاً قياسياً، بمعنى عنده بروتوتايب (PROTO Type) وهو ستريو. هذا هو العقل القياسي.

والعقل الشيوعي كان عنده البروتوتايب، متمثلاً بالاتحاد السوفيتي، في حين هو الستريو، ولا ندري ما إذا كان قد حصل تطور في عقلياتهم بعد زوال الاتحاد السوفيتي الذي كان هو النموذج…. نتمنى ذلك.

الاثنان كما ترى يحملان عقلاً قياسياً، والعقل السياسي لا يبدع، ولهذا السبب نرى أن المبدعين الشيوعين العرب، على صعيد الإبداع الفلسفي الماركسي هم قلة، ذلك لأنهم يعتمدون على القياس.

أنتجت الإنسانية في القرن العشرين ملايين المعلومات، وربما مليارات، تصور أن العقل العربي لم ينتج ولا معلومة!! أنا أقول العقل العربي وليس الإنسان العربي، وأعتقد أن كلامي واضح، لماذا؟ لأنه عقل قياسي والعقل القياسي لا ينتج معرفة، وربما هذا يفسر لنا أن اقتصار المسلمين العرب في فهمهم القرآن على صعيد الإعجاز اللغوي والأدبي، جعل القرن العشرين ينجب شعراء وأدباء غير أنه لم ينتج علماء علميين.

برأيك هل هو السبب كذلك، في عدم انجابنا في هذا العصر لنقد تاريخي يرقى إلى مستوى مقدمة ابن خلدون، أو نقد أدبي بمستوى ابن جني والجرجاني، والأمر نفسه في الفلسفة (كالموافقات) للشاطبي، وعلم الكلام (كمقالات الإسلامين) للأشعري؟

طبعا السبب هو تحولنا إلى ستريو، فنحن حتى اليوم نعد الغزالي حجة الإسلام، والشافعي مؤسس الفقه…الخ.

سأضرب لك مثالاً أوضح من خلاله كيف تحولنا إلى امه أقزام، عندما جاء الشافعي إلى مصر كان عدد سكانها كما اعتقد نحو مليون نسمة، اليوم عدد سكانها يزيد عن السبعين مليوناً، ومع ذلك أقنعوا مصر، واقتنع سكانها بأن مثل الشافعي لن يأتي!!؟

تصور كيف غدونا أقزاماً!! والسلطة السياسية بالتعاون مع السلطة الدينية، عملتا على تقزيمنا، وقد تكون الثانية فاقت الأولى في هذا المضمار.

أنت الذي يرى أن العلة كامنة في المجتمع أكثر مما هي كامنة في السلطة، بمعنى أن تأطير الاستبداد دخل من بابين، أولهما فقهي، متمثل بطاعة أولي الأمر من غير أن نسأل كيف أصبحوا أولي أمر، والثاني: فلسفي، من خلال العقيدة الجبرية المتمثلة بالرزق المقسوم والعمر المحتوم، علماً أننا نعرف أن هذه العملية قديمة، إذ قال المعري:

اثنان أهل الأرض: ذو عقل بلا * دين وآخر دين لا عقل له

وقال المتنبي:

أغاية الدين أن تحفوا شواربكم * يا أمة ضحكت من جهلها الأمم

علماً أن هذا الكلام لم يقل من فراغ، وعندما لم يكن عندنا لا استعمار ولا إمبريالية…الخ في حال كهذه، كيف السبيل إلى ما نصبو إليه من تفعيل للمجتمع؟

أمامنا طريق طويل، ولا يمكننا تفعيل المجتمع، من غير إجراء إصلاح ديني.

ثمة مقولة يرددها الفقهاء دائماً، مفادها: إن اكثر الناس ابتلاء هم الأنبياء، ثم الأدنى فالأدنى… ترى ألا يحق لي أن اسأل هؤلاء الفقهاء: لماذا كان الأنبياء هم أكثر الناس ابتلاء؟ لقد كانوا كذلك لأن مهمتهم كانت تنطوي على تغيير عقول الناس، ولا يمكن أن توجد مهمة أكثر ابتلاء وصعوبة من هذه، ونحن إذا لم تحصل ثورة إصلاحية على صعيد الدين، فسنبقى نراوح في مكاننا، قد يأتيني أحدهم ويسألني إن كنت أكثر فهماً من الشافعي، بالتأكيد سأجيبه بنعم، لكن جواباً كهذا يبدو غريباً جداً على مسامعه.

إذا كان شعور الشعوب الإسلامية والعربية، ما زال قائماً على سيكولوجيا الاضطهاد، ربما نرى ذلك متمثلاً في قابلية هذه الشعوب لتأليه الحكام، الذين يدركون أيضاً أن الدين أنجع وسيلة للسيطرة على هذه الشعوب، د. شحرور برأيك كيف السبيل لتأسيس شعب معافى ومتحرر من تلك السيكولوجيا؟

لا سبيل إلى ذلك ما لم تحل مشكلة التراث، الذي ما زلنا متمسكين به، نحيا دائماً في الماضي، ناهيك عن أننا لم نجرؤ على تقديم البديل..

قطعاً لن نختلف بأننا نملك حضارة عربية وكذلك حضارة إسلامية، لكن هل هذا يعني لأن نبقى متكئين عليهما؟! بالتأكيد لا، هذه المشكلة لن تحل إذا لم تحل مشكلة السنة النبوية، التي هي الأخرى إن لم تحل فسيبقى البخاري بعصاه يقود ألفاً وثلاثمئة مليون مسلم، يجب أن نقتنع بأن لدينا مثل الشافعي وأفضل منه، وأنه لدينا مثل ابن عباس وأفضل منه.

ما أريد قوله أن الشعب العربي شعب مخصي فكرياً وسياسياً، أصولاً إذا نظرت إلى سنة وقوع الانتفاضة الأولى، ترى أنها وقعت عام 1987، أي بعد هزيمة حزيران بعشرين عاماً، وفي هذه الفترة الزمنية الفاصلة بين الحدثين نشأ جيل نما وترعرع بعيداً عن كنف الأنظمة العربية، ولأنه نما بعيداً عن رحم الأنظمة العربية والسلطات العربية صنع الانتفاضة، ولولا ذلك، ربما، لما كانت حدثت!

أكرر إن الشعب العربي شعب مخصي فكرياً وسياسياً، وقد تعاون على إخصائه كل من رجال الدين ورجال السلطة.

د. شحرور تقول إن جميع ما في الكون مادي، والعقل الإنساني قادر على معرفته وإدراكه، ترى هل الروح مادة؟

كلا

إذاً لماذا لم يتعرف العقل على ماهيتها؟

دعني أشرحها لك (يمسك ورقة مكتوباً عليها) هذه الورقة والحبر عليها، هما مادة، لكن هل معاني الكلمات التي خطت بالحبر مادة؟ قطعاً ليست مادة، هذه هي الروح، الروح هي العلم والتشريع والمعرفة.

أول ما نفخ الله الروح في الإنسان بدأ بتعليمه التجريد، أعطيك مثالاً: الورقة مشخصة، لكن هل التوبة مشخصة؟ كلا، لذلك قال تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ}[البقرة : 37]، انظر كيف بدأ بالتجريد وكل من تجرد تأنسن، ومن لم يتجرد يبقى بشراً لا يتأنسن.

قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}[الإسراء : 85]، معنى هذا إن بر الوالدين روح، لأنها من أوامر رب العالمين، وأوامره نافذة، وقال تعالى: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}[الإسراء : 85]، يعني معلومات من هنا نجد أن الوحي لمحمد كان أوامر ومعلومات، لهذا السبب سمي جبريل بالروح، لأنه كان ناقلاً للأوامر والمعلومات معاً، إذاً الروح هي المعرفة والعلم والتشريع.

من المعروف أن كلمة مصطلح هي لفظ يطلق على العرف الخاص الذي هو اتفاق طائفة مخصوصة من القوم على وضع الشيء أو الكلمة، د. شحرور كثيراً ما استخدمت هذه الكلمة في كتبك، اتفاق أي قوم كنت تمثل، حتى استخدمتها بكثافة؟

عندما يمارس الإنسان الفكر يضع المصطلحات التي تناسبه، فإذا كانت مهمة العلوم دراسة الوظائف، كوظيفة الشمس والقمر…الخ ومهمة الفنون دراسة الأحاسيس، فإن مهمة الفلسفة دراسة المفاهيم، أصلاً الثورة الفلسفية هي ثورة في المفاهيم، على الصعيد الشخصي أخذت المصطلحات عشر سنوات من وقتي وقد استهلكت وحدها مئتي صفحة من كتابي وهي الأساس عندي، فمن خلالها حللت مشكلة القضاء والقدر.

أما اتفاق من كنت أمثل، فأستطيع القول إن صاحب الاكتشاف هو الذي يحق له أن يسمي اكتشافه بما يشاء، وسيأتي اليوم الذي سيتواضع فيه الناس ويقبلون هذه المصطلحات.

أثار كتابك الأول (الكتاب والقرآن) زوابع وعواصف تمخض عنها ثلاثة عشر كتاباً ومئات المقالات، أتت كلياً لتناقضك، دعنا نقم بجولة في رحاب بعض ما أخذ عليك

قبل أن نبدأ هذه الجولة أحب أن أقول لك شيئاً أبين لك من خلاله كم هو المجتمع العربي مجتمع بطركي ذكوري، وكيف اختزلوا الإسلام في ساقي المرأة، في مقدمة كتابي الأول قلت إن آيات الإرث ليست من القرآن، بل من الكتاب، هذه لم (تنرفز) أحداً من الشيوخ، لكن عندما قلت إذا رأى الأب ابنته عارية مصادفة، وتحرج، انتبه أقول مصادفة، فهذا من باب العيب وليس من باب الحرام، هنا أقام المجتمع البطركي الدنيا ولم يقعدها، انظر إلى ضحالة فكرهم!

رأى بعض منتقديك أن ما أتيت به لم يستطع أن يكون فقهاً، فلا هو في مستوى التشريع الإسلامي، ولا هو في سوية أي من تفاسير القرآن مثل: ابن كثير، الطبرسي، الطبري، سيد قطب، وهذا البعض يأخذ عليك أنك لم تستعرض من آيات القرآن إلا نحو المائتين، في حين عدد آياته 6616 آية، انطلاقاً من هنا رأوا أن قولك قراءة معاصرة ينطوي على الكثير من المبالغة، وأستطيع أن أضيف أنك تعهدت في بداية كتابك بالقيام بعملية مسح شامل لآيات القران.

أولاً: أنا لم أضع تفسيراً، بل هو منهج للتعامل مع الكتاب، وكل ما فعلته في كتابي الأول هو نماذج، ناهيك عن أني على الصعيد الشخصي ضد كل تفسير، لأنه لا يمكن لأي أنسان أن يفسر، وتفسير القران من قبل شخص واحد بعد أي كلام، ناهيك عن أن التفاسير التي وضعها ابن كثير والطبرسي وغيرهما، إنما تعكس الأرضية المعرفية لعصر المفسر.

ثانياً: بالنسبة إلى ما كنت قد تعهدت به، فقد مسحتها مسحاً شاملاً بالمصطلحات، مثلاً عندما فرقت بين الربوبية والألوهية، أتيت بكل الآيات المتعلقة بهما، وكذلك بقية المواضيع التي تطرقت إليها، كالربا مثلاً وفيه سبع آيات أتيت بها جميعها.

وضعت في كتابك (الكتاب والقران) ست قواعد لتأويل القرآن، أولهما التقيد باللسان العربي، وقد سبق أن وصفت في الكتاب نفسه داروين وأينشتاين ونيوتن.. بالراسخين في العلم والمؤولين الحقيقيين، ومنحتهم لقب العلماء الربانيين.

د. شحرور هل كان من ذكرتهم من علماء يجيدون اللسان العربي؟ وهل تعتقد أنهم قرؤوا القرآن مؤولين آياته التي آلت في مخابرهم ومعادلاتهم الرياضية إلى قوانين بني على أساسها الحاسوب والفاكس…الخ؟

أولاً: ليس بالضرورة أن يكونوا قرؤوا القرآن، وعلومهم هي من الربوبية لا من الألوهية إذ أن علم علماء الدين من الألوهية، وإذا كان إعجاز القرآن هو في البلاغة والفصاحة، فنحن بغنى عن البلاغة والفصاحة، من ثم هل تعتقد أن الشخص الإنكليزي أو الفرنسي إذا أراد أن يرى إعجاز القرآن فعليه تعلم اللغة العربية؟ هذا أصبح تعجيز لا إعجازاً، الإعجاز أن تقول للإنكليزي عندك داروين ونيوتن وشكسبير، لغة نيوتن علمية ولغة شكسبير شاعرية، ترى هل يستطيع نيوتن بدقته أن يعكس جمال شكسبير، وهل يستطيع شكسبير بجماليته أن يكتب باللغة التي كتب فيها نيوتن؟

الجواب: حتماً لا. حينذاك تقول للإنكليزي نحن في الكتاب لدينا هذان الشيئان، الفصاحة والدقة، نحن لنا أربعة عشر قرناً نأخذ شكسبير دون نيوتن، أنا الآن أريد نيوتن لا شكسبير.

ثانياً: بالنسبة للتأويل فقد عرفته فيما يلي: هو ما تنتهي إليه الآية من حقيقة موضوعية على أرض الواقع، بغض النظر عمن جاء بها، وهذا غير التفسير، قال تعالى {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} [العنكبوت : 20]، و حاشا لله أن يكذب علينا، بمعنى أن الذي سار في الأرض اسمه جورج أو ريتشارد وليس عبد السميع أو محمداً ماذا أسميه أنا؟ من هنا فالمؤول الحقيقي هو الذي يجد الحقيقة ويكتشفها، لهذا السبب قال تعالى {لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ}[الأنعام : 67]، {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}[فصلت : 53].

تقول إن القرآن يحتوي على جميع النظريات والقوانين العلمية من علم أحياء وفيزياء وطب….الخ، وترى أن جميع ما يضعه العلماء من نظريات ويستخرجونه من قوانين مأخوذة منه…

(مقاطعاً) لا… أرجو أن تصوب، القرآن دليل إيماني وليس دليلاً علمياً، أما ما أقصده أن نظرية المعرفة الإنسانية فهو موضوع فلسفي بحت، وهذه النظرية إذا اتبعناها تؤدي بنا إلى الطب والفيزياء…الخ، أما القرآن فلا يوجد فيه هذا، وعلى اتباع الرسالة المحمدية تقديم الدليل العلمي على مصداقيته وإذا كنت قد ذكرت ما سألتني إياه في كتابي الأول، فقد صوبت ذلك في كتبي اللاحقة.

أخذ البعض عليك، توزيعك لأنشطة القران، أرجو المعذرة على صيغة السؤال، بطريقة لا تفهم، مثل قولك: القرآن في اللوح المحفوظ، واللوح المحفوظ هو لوحة التحكم في الكون الذي برمج القران داخلها، أو كقولك: الكتاب المكنون هو البرنامج الذي تعمل بموجبه قوانين الكون العامة كمعلومات أو كقولك: الإمام المبين يتضمن أرشفة الأحداث التاريخية وقوانين الطبيعة.

د. شحرور على أي أساس وزعت هذه الأنشطة للقرآن وهل تعتقد أن بإمكان القارئ حتى العلمي فهمها؟

بالنسبة إلى أنشطة القرآن: نحن عندنا التاريخ الإنساني والنشاط الإنساني الواعي وهناك قوانين للطبيعة ويدخل العمل الإنساني في عالم الممكنات قبل وقوعه ويدخل في عالم الحتميات بعد وقوعه لأنه لا راد له ولا رجعة. عندما يقع هذا الحدث بالذات تتم أرشفته إذ يؤرشف بعد وقوعه أو أثناء وقوعه أرشفة هذا الحدث هي الإمام المبين، لذا أقول إن القصص القرآني جاء من الإمام المبين لأنه لا علاقة له بأحداث الكون، إنما هو كما قلت أرشفة أحداث الإنسان والطبيعة، فمثلاً عندما قال تعالى: {وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ * قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ}[يوسف : 16-17] هذه القصة في سورة يوسف حدثت قبل البعثة النبوية بألف عام وأرشفت، لذا لا تحمل الطابع الأزلي وبالتالي لا علاقة لها باللوح المحفوظ.

أحمد بن حنبل يرى أن قوله تعالى: {اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ }[البقرة : 255]، و {وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ}[يوسف : 16] كلها كلام الله وكلها أزلية وهذا غير صحيح لأن {وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ}[يوسف : 16] حدثت قبل بعثة محمد بألف عام وهي ليست كلام الله إنما كلام أولاد يعقوب لأبيهم. هذه المشكلة أوقعنا بها أحمد بن حنبل عندما قال: المصحف كله كلام الله هناك أشياء منقولة بأمر من الله بوساطة جبريل من الإمام المبين إلى محمد.

الآن أصبح من السهل فهم ذلك علينا طبعاً بوجود الكومبيوتر فالسوفتوير هو الإمام المبين.

ألا تعتقد أن القارئ يستنتج من هذه البرمجة التي تعني التبويب والترتيب أن الله عز وجل وهو الكمال المطلق المنزه عن النقص والنسيان يعتمد البرمجة لأنه ينسى؟

لا أنا أقول هذا لأن الله عز وجل ليس بحاجة إلى أن يهدي نفسه وبعث الكتاب هداية للناس والناس لا يفهمون إلا بهذه الطريقة وإذا كان الله قد أنزل الكتاب لنفسه هذا شيء وإذا كان قد أنزله لنا فهذا شيء آخر.

تقول في مكان آخر إن علم الله بالطبيعة إما علم مبرمج سلفاً في اللوح المحفوظ (القرآن المجيد)… وإما علم في كلية الاحتمالات لظواهر الطبيعة الجزئية القائمة على الأضداد التي نفهمها من خلال الرياضيات والتي سماها (كتاب مبين) أين كان علم الله بالطبيعة قبل ظهور نبوة محمد وقرآنه؟

أولاً بالنسبة إلى العلم المبرمج في اللوح المحفوظ أي أن الله تعالى لا يخضع للمباغتة والمفاجأة… أما أين كان علم الله، فالقرآن الذي هو نبوة محمد وقد تحول في ليلة القدر إلى العربية هو في الأصل موجود قدم الزمان لأنه يحوي قوانين الكون والقوانين الناظمة للوجود. مثلاً قانون الذرة ألم يكن موجوداً قبل أن نعرفه؟ بالتأكيد كان موجوداً، وكذلك نبوة محمد (القرآن المجيد) كانت موجودة قبل أن يعطيه الله إياها. لكن هذا لا يعني أن علم الله فقط هو القرآن، من الخطأ أن نعتقد ذلك.

رأى السلف أن السبع المثاني قد تكون الفاتحة أو السبع الطوال أو أنها القرآن كاملة… د. شحرور تقول إنها أصوات تشكل الشيفرة الكونية التي تستطيع أن تتعارف وتتلاقى بها الكائنات من مختلف الأكوان…الخ كيف تبسط قولك هذا للقراء؟

السبع المثاني هي مقاطع صوتية وليست كلمات، وهذه المقاطع الصوتية يتشكل منها الكلام الإنساني. لأن الكلام الإنساني هو مقاطع صوتية ومن ثم هي ليست لغة فـَـ (ألم، ألمص) لا يمكن أن يقال إنها لغة عربية كما أن (ألم) موجودة في اللغات كلها وبالتالي إذا قالوا الكتاب عربي فهذا غير صحيح لأن (ألم) من الكتاب وهي ليست عربية ويبقى هذا مجرد رأي ولا أستطيع تبسيطه أكثر من ذلك لأن ظاهرة الأصوات هي ظاهرة كونية قد تكون شيفرة كونية وقد تكون شطحة ربما أطورها في المستقبل عن طريق الرياضيات.

خصصت قسماً كبيراً من كتابك الأول للترادف في اللغة العربية غير أنك أغفلت الفروق بين الأفعال إذ لم تبينها مثل (بعث وأرسل) و (حلف وأقسم) كنت انتقائياً لماذا؟

ليس بمعنى الانتقائية وإنما أغفلت المواضيع التي لا تلزمني، أعطيك مثالاً عندما لزمتني (جاء وأتى) خصصت لها بحثاً كاملاً.

د. شحرور من المآخذ التي تؤخذ عليك تعمدك إعدام الترادف وشطبه من اللسان والمعاجم العربية ما الذي دفعك إلى هذا؟

لأنه في لغات الأخرى لا يوجد ترادف.

بعض من انتقدك كان يحبذ أن تعترف بأن هناك أئمة وعلماء في اللغة قالوا بالترادف كما أن هناك آخرين قالوا بنفيه بمعنى مرة أخرى أنك كنت انتقائياً.

أنا من الذين يخالفون القائلين بالترادف. إذا أخذت نظريات القائلين بالترادف وطبقتها على المصحف فلن تصل إلى نتيجة وما أخرج به كلام جميل، الذي يملك عقلية شعرية يحب الترادف لأن الشعر لا يعيبه الترادف أما الذي يملك عقلية علمية فإنه لا يحب الترادف.

أخيراً: آثرت الاستمرار في العزف على قيثارتك غير آبه بقضاء ما تبقى من العمر في الدفاع عن لحنك هل يا ترى السبب هو الإيمان العميق فيما ذهبت إليه؟ أم هو الهروب من المواجهة على بعض ما كتبت؟

السبب الذي يدفعني للاستمرار في عزف لحني هو الإيمان العميق بأن هذه الأمة مضى عليها ألف عام وهي نائمة وتحتاج إلى من يوقظها أما لماذا لا أرد على خصومي فلأن هؤلاء الذين انتقدوني أصبح لهم ألف عام يتجادلون من دون أن يتقدموا خطوة واحدة ناهيك عن أنهم لم يقدموا لمجتمعاتهم شيئاً، وناهيك عن أني لا أريد أن أضيع وقتي وأهدره في الترهات فقد ألفت بعد الكتاب والقرآن ثلاث كتب، أما أن تسميه هروباً من المواجهة فهذا غير صحيح بدليل أني واجهت أناس مؤهلين للمواجهة كرئيس قسم الفقه في الأزهر ورئيس كلية أصول الدين وسواهما والجميع يعرف هذا.

أحترم نقد منير الشواف في كتابه (تهافت القراءة المعاصرة) لأنه تعب على رده أما البقية فقد انحصرت معظم ردودهم في السباب والشتائم.

جريدة النور – دمشق

أُبي حسن

(2) تعليقات
  1. أنا اشكر د محمد شحرور علي جرأته في مواجهة التيار التقليدي الديني الذي يشد الأمة العربية إلى الوراء بالرجوع إلى السلف ولا دور لهم إلا الحفظ والتهديد ولابد من الإشارة  إلى إلتقاء أفكارك مع ما طرحه محمد عابد الجابيري في كتبه التي نقد فيها العقل العربي المعرفي والعقل السياسي والعقل الأخلاقي وكثير مما قدمته من ملاحظات مثل العقل القياسي الذي لاينتج معرفة والرجوع إلي السلف إلى الوراء بدل النظر إلى المستقبل اجد تطابق كثير من رؤاك الفكرية معه رحمه الله وأدعو جميع المهتمين بتطوير العقل العربي قرأءة كتبه وكدلك قرأءة كتب محمد أركون وغيرهم من المجددين العرب في مجال الذين الذين يحاربهم بشراسة حاملي الفكر التقليدي من  العرب والمسلمين .إذا أردنا أن نطور الأمة العربية لابد من قراءة جديدة ينتج عنها فهم جديد للقرآن وغربلة الحديث مما يشوبه من وضع بمنهج معاصر يمكننا من ذلك. نكمل مشوار من ذكرنا.

  2. مواجهة الضد والتضاد – الضد في الأشخاص والتضاد في الافكار هذا الصراع الذي خاضه الرسل والانبياء والمصلحين والمفكرين وهو لابد من حدوثه حيث ان كل جديد يغير مفهوم متفق عليه سابقا ليس من السهل تقبله وقبوله لاتخاذه منهجا للتطبيق تبني عليه احكام وانظمة ومعايير يقرها مجتمع تنظم مسيرة حياته اليوميه التطورية لذا لك النهج الارتكازي هو الابتعاد او مصادرة كل مايضبط الرب حسب مفهوم من يقرر مادة الغضب فيجرمها فيكون المجتمع بأسره تحت رحمة المجرم سواءا سلطة دينيه (فقهية) مُسيسه او سلطة سياسية مُشرعة هدفهما الأساسي صراع من اجل البقاء في التسلط والتحكم بالمقدرات الكونية التكوينية (بشرية ومادية )لمصادرة الانسانية والإنسانية هي ما اتفق علية جمهور الأمة او الشعب علي ماينفع تسيير قيام وتقويم حياتهم المعيشية والمصادر تتم بإصدار جملة من القرارات والفرمانات المتذرعة بأحداث وقتية طارئة فتبقي فترة من الزمن تخدم مشرعيها فقط حتي تهلك الحرث والنسل فيلتفت اليها لتغيرها اي ان التغير يحدث بعد وقوع الضر ولايحدث قبل توقع حدوثه لكي لايحدث وهذه هي عقلية الانظمة العربيه المحطة التي تسير علي نهج(لاحل إلا بعد حدوث مشكله) مع ان التشريع السماوي نهجه شرع قبل حدوث الحدث بناءا علي توقع حدوث الفعل تحسبا لعدم وقوعة لذالك تجد اعلامنا العربي فقاد نقاد للتطور رقاد وإنني اري ان البداية تكون من التعليم بدءا من المراحل الطفولية الابتدائية الي الجامعات والبحوث والدرجات العلمية العليا حتي تتم صناعة عقول جديدة ان صح التعبير (فكل التفاسير القرانية السابقة الأحري ان تسمي التفاهمية القرانية )لانه لا يُفسر القول إلا قائله اما المستمع فهو يفهم القول بناءا علي خلفيات مفاهيمه وينقل فهمه لمجتمع يشترك معه في خلفيته للمفاهيم كإبن كثير وابن قليل والإخوانيين سيد قطب في ظلال القران وغيرهم وعندما تجمع الكتب والمجلدات والمؤلفات المسماة بالتفاسير تجدها تأخذ من بعضها البعض متكرره ناقله غير مجدده مجرد انها تدعم بعضها البعض وكون المؤلف استوعب وحفظ أقوال وافكار من سبقوه وكررها ورددها في كتبه استق لقب عالم وجمعهم علماء وعم ليس من العلم في شئ وانما هم نقلاء تبريرهم للإقناع هو قولهم ذكر ذالك فلان في كتابه وكأن فلان قوله لايرد فكل من يوصف عند تفكيره بفلان قوله غير ثابت ويرد إذا لم يخدم وينفع الأمة لذالك ارجوا من الدكتور محمد شحرور ان يبذل أقصى جهد لإخراج كتاب يُبين فيه عهد البيعة الملزم بين الحاكم والمحكوم بعيدا عن الاقوال والاحاديث المعممة (لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق) و(من مات ليس في عنقك بية مات ميتة الجاهلية) أقوال ثابتة وحورة الي مفاهيم هراء مسيسة كتحريم وتكفير الخروج علي الحاكم في الوقت الذي فيه الحاكم الذي يردد ذالك خرج علي من سبقة وغير ذالك كثير من تسييس الأحاديث والآيات لمصلحة استمرارية البقاء للسلطة لهدم الدين وبقاء الفكر الهدام اللعين حسبي الله ونعم الوكيل

اترك تعليقاً